عدم جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم










موضوع الفتوى : عدم جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم
رقم الفتوى : 35
تاريخ الإضافة : الاثنين 7 رمضان
 1423 هـ الموافق 11 نوفمبر 2002 م
جهة الفتوى : من فتاوى دار الإفتاء المصرية.
مرجع الفتوى : [مختصر فتاوى دار الإفتاء المصرية ص: 237].
  السؤال:





فقيه يقرأ القرآن دعي في مأتم، وأدى القراءة ثلاث ليال،
ولم يشترط جعلا مخصوصًا عينه لصاحب المأتم، وبعد انتهاء الليالي
المذكورة، أعطاه صاحب المأتم الأجرة بحسب حاله، وبحسب اللائق
-أيضًا- فأبى الفقيه المذكور أن يأخذ المبلغ الذي أعطاه إياه، وطلب
ضعفه برغم أنه من مشاهيرالقراء ذوي الصيت.



فهل لا يجـاب الفقيـه المذكور إلى طلب الزيادة، عما يدفـعـه إليه
صاحب المأتم، حيث لم يشترط عليه مبلغًا معينًا، أو يجاب؟
.




  الجواب :




اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد: أن العلامة ابن عابدين
نص[ في تنقيح الحامدية بصحيفة 126، جزء ثاني، طبعة أميرية
سنة 1300 هـ]: على أن عامة كتب المذهب من متون وشروح وفتاوى، كلها متفقة على أن الاستئجار على الطاعات، لا يصح عندنا.
واستثنى المتأخرون من مشايخ بلخ تعليم القرآن، فجوزوا الاستئجار
عليه، وعللوا ذلك في "شروح الهداية" وغيرها بظهور التواني في الأمور
الدينية وبالضـرورة، وهي خوف ضياع القرآن؛ لأنه حـيث انقطعت
العطايا في بيت المال، وعدم الحرص على الدفع بطريق الحسنة، يشتغل
المعلمون بمعاشمهم، ولا يعلمون أحدًا ويضيـع القرآن. فأفتى المتأخرون
بالجواز لذلك.



واسـتثنى بعضـهم -أيضًا- الاستئجـار على الأذان والإمامة للعلة
المذكورة؛ لأنهما من شعائر الدين، فـفي تفويتهمـا هدم الدين. فهذه
الثلاثة مستثناة للضرورة، فإن الضرورات تبيح المحظورات.



إلى أن قـال: وقـال في "الهداية": الأصل أن كل طاعـة يخـتص بهـا
المسلم، لا يجوز الاستئجـار عليها عندنا لقوله -عليه السلام- : اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به
.
.



فالاستئجار على الطاعات مطلقًا، لا يصح عند أئمتنا الثلاثة: أبي
حنيفة وأبي يوسف ومحمد.



قال في "معراج الدراية": (وبه قال أحمد وعطاء والضحاك والزهري
والحسن وابن سيرين وطاووس والشعبي والنخعي) .
.



ولا شك أن التلاوة المجـردة عن التعليم من أعظم الطاعات، التي
يطلب بـها الثواب، فلا يصح الاستئـجـار عليهـا؛ لأن الاستئجـار بيع
المنافع، وليس للتالي منفعة سوى الثواب، ولا يصح بيع الثواب؛ ولأن
الأجرة لا تستحق إلا بعد حصول المنفعـة للمستأجر والثواب غـير
معلوم)
.



ثم قال: (ورأيت التصريح ببطلان الوصية بذلك في عدة، وعزي
في بعض الكتب إلى "المحيط" السرخـسي، و"المحـيط" البرهاني و"الخلاصـة"
و"البزَّارية". فـإذا كـانت الوصية للقارئ لأجل قراءته باطلة؛ لأنها تشبه
الاستئجار على التلاوة، فالإجارة الحقيقية تكون باطلة بالأولى).



هذه نصوص المذهب من متون وشروح وفتاوى متفقة على بطلان
الاستئجار على الطاعات، ومنها التلاوة -كـما سمعت- إلا ما استثناه
المتأخرون للضرورة كـالتعليم والأذان والإمامة. ولا يصح إلحاق التلاوة
المجردة بالتـعليم لعدم الضرورة الداعية إلى الاستـئجار عليهـا، بخلاف
التعليم.



ومثل ما ذكره العلامة في "التنقيـح" ذكره- أيضًا- في "رد المحتار"،
وفي "حاشيته على البحر"، وخالفه العلامة الشيخ: المهدي -رحـمه الله- في فتواه حيث قال (بصحيفة 155، الجزء السابع) ما نصه:
.



(وأما الموصى به للتـجـهيز والتكـفين وقراءة الصـمـدية والعتاقـة
والختمات، فالمبلغ الذي عينه لذلك بعد تحـقيق ما ذكره شرعًا، ضمن
دعوى أحـد الورثة على البـاقي، أو مأذون له في الخـصـومة من قـبل
القاضي، يخرج منه حوزة تجهيزه وتكفينه الشرعيين، وما بقي يصرف
لجهة الخيرات التي عينها الموصي، وهذا بناء عليه عمل الأئمة في سائر
ديارنا، في سائر الأزمان من أحكام الشرع والعلماء. وبنوه على فتوى
المتأخرين في جواز أخذ الأجرة على الطاعات للضرورة، ولتساهل الناس
وتكاسلهم في الأمور الخيرية.



كما صرحوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والإمامة والأذان،
وهذا بخلاف ما أفـتى به العلامة خير الدين الرملي في فتاواه المشهورة،
وجرى عليه الأستاذ ابن عابدين، وأوَّل في هذه المسألة، وقصر فـتوى
المتـأخـرين على نحو التعليـم والإمامـة، واستدل بأنهم عللوا ذلك
بالضرورة، وأنه لا ضرورة في غير ذلك من الختمات والعتقات والسبح،
وبنى على ذلك بطلان الوصـيـة لمثل ذلك، والوقـوف على مـثل هذه
الخـيرات، وحـرم قراءة القرآن بشيء لمن يقرؤه، وأثم القارئ والدافع،
وجزم بعدم حصول الثواب على شيء من ذلك.
.



وما نقله في ذلك، يمكن حمله على ما ذهب إليه المتقدمون، وهذا
كله مخالف لما عليه عمل الناس من العلماء والقضاة وعامة المسلمين،
وهو مستفاد من بعض عبارات كتب المذهب، بناء على فتوى المتأخرين
لا مانع من تحقيقه في مثل ذلك، لا سيما في هذا الزمان، وقد كثرت
وتداولت أوقاف المسلمين بمثل ذلك، وتحررت به الحجج الشرعية، وحكـم
به من حكام الشريعة الحنيفة بين ظهراني العلماء في كل زمان).



والذي قاله ابن عابدين، فيما يتعلق بالاستئجار على تلاوة القرآن
المجردة عن التعليم، وما ماثل ذلك، وأخذ الأجرة على ذلك، هو الموافق
لقواعـد الشريعة ولنصوص المذهب، وإن كان مخالفا لعمل الناس، فإن
عمل الناس لا يكون حجة مع مخالفته النصوص الشرعية.



وأما مـا قـاله الأستـاذ الشيخ المهدي، من أن التـعليل بالضرورة
وتكاسل الناس لا مانع من تحـقيقه في مثل ذلك، فـهو ممنوع؛ لأنه لا بد
في جواز أخذ الأجرة على الطاعة من تحـقق الضرورة بالفعل، كـما هو
مقتضى فتوى المتأخرين.



ولا يمكن القول بأن تلاوة القرآن المجردة عن التعليم، تتحقق فيها
الضرورة بالفعل، فإنها غير محققة قطعًا، ومجرد عدم المانع من تحـققها
في ذلك لا يكفي.



ومن ذلك يعلم أن: قـول المتقدمين والمتـأخـرين على عدم جـواز
الاستئجار على قراءة القرآن المجـردة عن التعليم، وعدم جواز أخذ الأجرة
عليـهـا، فلا يستحق القارئ أجـرة إذا استؤجر لمجرد تلاوة القرآن، ولا
يحل له أخذ الأجرة على ذلك، كـما لا يحل للمعطي أن يعطيه. والله أعلم .














فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي


تاريخ الاضافة: 07-12-2009
طباعة