الرد على : المطلقة لا تعود لزوجها إلا بعد أن ينكحها رجل آخر

الرد على : المطلقة لا تعود لزوجها إلا بعد أن ينكحها رجل آخر




 بسم الله الرحمن الرحيم




المطلقة لا تعود لزوجها إلا بعد أن ينكحها رجل آخر













فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (البقرة 230).




 الطلاق مأخوذ من الانطلاق والتحرر، فكأنه حل عقدة كانت موجودة وهي عقدة النكاح. وعقدة النكاح هي العقدة التي جعلها الله عقداً مغلظاً وهي الميثاق الغليظ، فقال تعالى:


{وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}


(من الآية 21 سورة النساء)

إنه ميثاق غليظ لأنه أباح للزوجين عورات الآخر، في حين أنه لم يقل عن الإيمان إنه ميثاق غليظ، قال عنه: "ميثاق" فقط، فكأن ميثاق الزواج أغلظ من ميثاق الإيمان. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يربي في الناس حل المشكلات بأيسر الطرق. لذلك شرع لنا أن نحل عقدة النكاح، ونهاية العقدة ليست كبدايتها، ليست جذرية، فبداية النكاح كانت أمراً جذريا، أخذناه بإيجاب وقبول وشهود وأنت حين تدخل في الأمر تدخله وأنت دارس لتبعاته وظروفه، لكن الأمر في عملية الطلاق يختلف؛ فالرجل لا يملك أغبار نفسه، فربما يكون السبب فيها هيناً أو لشيء كان يمكن أن يمر بغير الطلاق؛ فيشاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل للناس أناة وروية في حل العقدة فقال: "الطلاق مرتان" يعني مرة ومرة، ولقائل أن يقول: كيف يكون مرتين، ونحن نقول ثلاث ة؟ وقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال يا رسول الله قال الله تعالى: "الطلاق مرتان" فلم صار ثلاثا؟

فقال صلى الله عليه وسلم مبتسماً: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". فكأن معنى "الطلاق مرتان"، أي أن لك في مجال اختيارك طلقتين للمرأة، إنما الثالثة ليست لك، لماذا؟ لأنها من بعد ذلك ستكون هناك بينونة كبرى ولن تصبح مسألة عودتها إليك من حقك، وإنما هذه المرأة قد أصبحت من حق رجل آخر ..
{حتى تنكح زوجاً غيره}


(من الآية 230 سورة البقرة)


أما قول الرجل لزوجته أنت "طالق ثلاثاً" يعتبر ثلاث طلقات أم لا ؟ نقول : إن الزمن شرط أساسي في وقوع الطلاق، يطلق الرجل زوجته مرة، ثم تمضي فترة من الزمن، ويطلقها مرة أخرى فتصبح طلقة ثانية، وتمضي أيضا فترة من الزمن وبعد ذلك نصل لقوله: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ولذلك فالآية نصها واضح وصريح في أن الطلاق بالثلاث في لفظ واحد لا يوقع ثلاث طلقات، وإنما هي طلقة واحدة،
 

وحكمة توزيع الطلاق على المرات الثلاث لا في العبارة الواحدة، أن الحق سبحانه يعطي فرصة للتراجع. وإعطاء الفرصة لا يأتي في نفس واحد وفي جلسة واحدة. إن الرجل الذي يقول لزوجته : أنت طالق ثلاثاً لم يأخذ الفرصة ليراجع نفسه ولو اعتبرنا قولته هذه ثلاث طلقات لتهدمت الحياة الزوجية بكلمة. ولكن عظمة التشريع في أن الحق سبحانه وزع الطلاق على مرات حتى يراجع الإنسان نفسه، فربما أخطأ في المرة الأولى، فيمسك في المرة الثانية ويندم. وساعة تجد التشريع يوزع أمراً يجوز

أن يحدث ويجوز ألا يحدث، فلابد من وجود فاصل زمني بين كل مرة.


فمادام قد قال: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وقال: "الطلاق مرتان" أي أن لكل فعل زمناً، فذلك يتناسب مع حلقات التأديب والتهذيب، وإلا فالطلاق الثلاث بكلمة واحدة في زمن واحد، يكون عملية قسرية واحدة، وليس فيها تأديب أو إصلاح أو تهذيب، وفي هذه المسألة يقول الحق: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" لأن المفروض في الزوج أن يدفع المهر ، فإذا ما حدث الطلاق لا يحل للمطلق أن يأخذ من مهره شيئاً، لكن الحق استثنى في المسألة فقال: "إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به".
وبذلك تبين لنا أنه إن وصلت الأمور بين الزوجين إلى مرحلة اللا عودة فلابد من درس قاس؛ فلا يمكن أن يرجع كل منهما للآخر بسهولة. لقد أمهلهما الله بتشريع البينونة الصغرى التي يعقبها مهر وعقد جديدان فلم يرتدعا، فكان لابد من البينونة الكبرى، وهي أن تتزوج المرأة بزوج آخر وتجرب حياة زوجية أخرى. وبذلك يكون الدرس قاسياً.

فالحكم كله في يد المطلقة ، فإن أرادت أن تتزوج لتجرب زوجاً آخر يعرف معنى المسؤلية ، فلها مطلق الحرية .... وإن طلقها الزوج الثاني بسبب استحالة العشرة أو لسبب الموت ، فلها الحق أن ترجع لزوجها الاول او لا ترجع فلها مطلق الحرية .


إذن فالطلاق لا يتكرر إلى مالانهاية، ذلك إن تكرار الطلاق يجعل الزوج في وضع الحاكم المطلق الذي لا تتحدد تصرفاته، ويجعل الحياة الزوجية تحت طائلة نزوات الزوج.


وعلى الزوج بعد الطلاقين أن يختار أحد الأمرين:


إما الإمساك بزوجته بمعروف، وزواج صالح ومعاشرة حسنة، وإما إنهاء العلاقة الزوجية للأخير، وإعطاءها حقوقها كاملة بل والإحسان إليها إضافة إلى الحقوق.


وعند الطلاق يبقى المهر عند المرأة، ولا يحل للرجل إسترجاعه إلا في حالة واحدة هي: تنازل المرأة عن مهرها بإزاء قبول الرجل بطلاقها، إن هي أرادت الطلاق.


وبعد الطلاق الثالث، تحرم الزوجة على الزوج حتى تتزوج من رجل آخر زواجاً دائماً ويباشرها الزوج مباشرة جنسية كاملة، ثم إن طلقها تحل للزوج الأول بعقد جديد إن شاءت ذلك.


ولكن لا يجوز للزوج أن يعود إليها بهدف الإضرار بها، بل لكي يؤسسا - فعلاً - حياة عائلية متينة تقوم على حدود الله وأحكامه.


وبهذا نجد أن الله عز وجل شرع احكام الطلاق للحفاظ على الكيان الأسري في الإسلام وأن يحمي المرأة من اخطاء الأزواج .


والله أعلم .
.......................................
من خواطر / الشيخ الشعراوي .

تاريخ الاضافة: 25-11-2009
طباعة