الرد على شبهة:أبو مريم عليها السلام ..

 أبو مريم عليها السلام .. شبهة


يقول صاحب هذه الشبهة أن القران خلط بين ابا موسى عليه السلام بابي مريم عليها السلام وأن والد موسى عليه السلام هو عمرام كما ورد في( خرو 6: 20 ) . وذلك باقتباسه هذا الكلام من سورة آل عمران

﴿34 إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ﴿35﴾ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴿36﴾ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴿37

ويكمل صاحب الشبهة بأن زكريا لم يكفلها وأنه بتتبع نسبها التاريخي نعلم أنها ابنة هالى أو عالي .


لرد على هذه الشبه لنعرف نسب مريم عليها السلام
مريم الطاهرة (عليها السلام)

كانتا اختين طاهرتين عفيفتين، إحداهما (حنّة) والأخرى (حنانة) وقد سعدهما الحظ.

فتزوّج بإحداهما وهي (حنانة) النبي العظيم زكريّا (عليه السلام).

وتزوّج بالأخرى، وهي (حنّة) الرجل الصالح السعيد (عمران).

لكن من غريب الأمر أن الأسرتين لم يتحفا بأولاد، مدة مديدة من الزمان.

لقد كان زواج حنّة بعمران مباركاً إلى أبعد حد، وكان يسود الأسرة الرفاه والإلفة والسرور.. لكن هذه النقطة، وهي عدم إنجابها الولد، كانت تلقي في نفسيهما الحزن والأسى.

وخصوصاً في نفس الفتاة الحنون، إنها كانت تحب أن ترى إلى جنبها طفلاً يؤنس وحشتها، ويلقي في نفسها البهجة، وتناغيه في أوقات الوحدة.

لكن الأقدار ما كانت تسمح بذلك، وكلّما تقدّم بها السّن، ازدادت كآبة وحسرة، وذات مرّة، رأت طائراً يزق فرخه، فانبعثت في نفسها موجةٌ من الألم المشوب بالأمل، فهل يمكن أن تزرق ولداً تزقه، كما يزق هذا الطائر فرخه؟

وكلّما رأت أمّا إلى جنبها طفل، تذكّرت أملها وألمها.

وهكذا مرّت الأيام عابسة لا ترى فيها بصيصاً من النور، وكانت قلقة لما تعانيه من العقم.

موجةٌ من السرور غمرت بيت (عمران) حين أخبر زوجته (حنّة) أن الله أوحى إليه أنه يهبهما ولداً.

لقد تهلّلت أسارير وجه (حنّة) وانقلب العبوس في وجهها سروراً، وأخذت تبسم بعد طول كلوح(1).

يا لها من فرحة! إنها ترزق الولد الذي كانت تتمناه منذ لحظة اقترانها بـ(عمران).

إنها تحسب للجنين ألف حساب وحساب، شأن الأمّهات اللاتي يرجين مستقبل أولادهن.

لكن المرأة الصالحة (حنّة) شكرت لله عطيته، وعرفت لله سبحانه فضله وكرمه، بهبتها هذا الجنين، فأرادت أن تقابل العطيّة بالشكر، فنذرت أن يكون الولد (محرّراً)(2) لخدمة بيت المقدس.

(
إذ قالت امرأة عمران ربّ إني نذرت لك ما في بطني محرّراً) عتيقاً لا تشغله أمور الدنيا، بل يكون خالصاً لخدمتك وخدمة بيتك، وخدمة العباد (فتقبّل) يا رب هذا النذير (مني إنك أنت السميع العليم).

وهكذا أخذت (حنّة) تعد الأشهر والأسابيع والأيّام، لمقدم هذا الضيف الجديد، الذي غمر حياتهم بهجة وفرحاً، بعد طول يأس وأسى.

وبعد صبر طويل وقوم المولود إلى هذه الحياة، وفتح عينيه للنور. مرّة ثانية غمرت (حنّة) الأمّ، موجةٌ من الحزن، إنه الحزن بكون الولد (أنثى) فيا لخيبة الأمل، ويا لانهدام الرجاء، فقد كانت ترجو أن يكون المولود (محرّراً) لكن الأنثى لا تصلح للتحرّر، إن المحرّر ولد يناسب دور العبادة، أمّا الأنثى فكيف تعاشر الرّجال؟

إنه لا مفرّ من قضاء الله، إنها أنثى، وقد تمّ الأمر، وليس بيد الأم شيء، فسمّتها (مريم) بمعنى (العابدة) ليكون الاسم قريباً مما كانت تقصده من الخدمة للبيت الذي هو للعبادة.

(
فلمّا وضعتها قالت) (حنّة) يائسة حزينة، شاكية خيبتها إلى الله سبحانه: (ربِّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) فلا يأتي من الأنثى خدمة المسجد كما كان يأتي من الذكر، (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك) يا رب (و) أعيذ (ذرّيتها من الشيطان الرجيم) فتلطف عليها وعلى ذرّيتها بحفظك وحراستك، ورعايتك وكلاءتك.

أخذت تشكوا ربها على المولود لأنها أنثى . إن (حنة) الأم الرؤوف لا تعرف ذلك المستقبل الإلهي المشرق، ولا ذلك المستقبل الاجتماعي الأليم، لبنتها الصغيرة (مريم) وإنما تعرف أنها (أنثى) وأنها خابت في ظنونها ورجائها.

كيف كفلها ذكريا ؟؟

استقرّ رأي (حنة) على أن تهدي بنتها (مريم) إلى بيت المقدس، كما نذرت والعبّاد هم يعرفون تكليفها، ما يصنعون بها؟

ولقد كان الأشد على (حنّة) أنها كانت تقاسي كلّ هذه الآلام والحيرة، وحدها، فقد فقدت زوجها (عمران) قبل ولادة (مريم) مما زاد في حزن الأمّ وألمها.. لقد مات الزوج الشاب الصالح قبل أن يرى الوليد الذي طالما تمنّاه، يا لها من مصيبة على قلب (حنّة)!

وما فائدة الحزن واللوعة؟ فالمقدّر كائن.

لفّت (حنّة) بنتها الوليدة في القماط، وتقدّمت إلى بيت المقدس، حيث العبّاد. ثم سلّمتها إلى جماعة من الناسكين الذين كانوا لربهم يرهبون، وقصّت لهم قصّتها..

تهافت الناسكون على أخذ البنت، بكل شوق وسرور، عندما علموا أنها بنت زميلهم الفقيد (عمران) وابنة أخت زوجة سيّدهم ونبيهم زكريا (عليه السلام).

وحيث أن الرضيع تحتاج إلى عناية ورعاية، حتى تكبر وتنمو وتنشأ، وقع بينهم الخلاف فيمن يكفلها؟ فكان كل واحد يرشّح نفسه لكفالتها، وكان (زكريّا) من جملة المرشّحين نفسه لذلك، ويحتج بأنه أحق لأن (مريم) تمت إليه بصلة، وأن في داره خالة مريم (حنانة).

لم يقبل الأحبار أن تسلّم البنت إلى (زكريّا) زوج خالها، بالرغم من صحة احتجاج زكريّا. وأخيراً قرّروا جميعاً الاقتراع، بأن يلقوا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، في الماء، فالقلم الذي يطفوا فوق الماء يتولّى صاحبه تربية (مريم).

وقد كانت الأقلام من الحديد، ولذا كان طفوّها على الماء شيئاً خارقاً(3).

(
وما كنت لديهم) يا رسول الله (إذ يلقون أقلامهم) في الماء (أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) في أمر كفالة بنت زميلهم؟

ولعلّ الأحبار إنما اختصموا في هذا الأمر، لما وصل إلى علمهم، من جلالة مريم، ومستقبل أمر عيسى (عليه السلام)، فإن الأنبياء السابقين كانوا يبشرون بالأنبياء اللاحقين، كما أن الأنبياء اللاحقين كانوا يصدّقون بالأنبياء السابقين.

ولعل مناسبة الاقتراع بالأقلام بمناسبة الإرهاص بنبوّة المسيح (عليه السلام) المناسب لكتاب الإنجيل، المكتوب بأقلامهم.

وكيف كان.. فقد رسبت أقلام الأحبار في الماء، وبقي قلم زكريا طافياً فوق الماء فوافق الجميع على أن تكون مريم في كفالة زكريا.

وماذا كان يعمل زكريّا أيّام رضاع البنت؟ هل أخذ لها مرضعاً؟ أو جعلها في بيت المقدس وكان يأتي باللبن إليها؟ ثم ماذا كان يصنع بسائر شؤونها؟ كل ذلك مما لا نعلمه.

نعم.. (تقبّلها ربها بقبول حسن) فإنها وإن كانت أنثى، لكن ربها قبلها محرّرة في بيت المقدس (وأنبتها نباتاً حسناً) فكانت تنمو نمواً سريعاً، بكل نظافة ونضارة مما كان يبشّر بمستقبل زاهر.

والله تعالى أعلم

وهذه بعض معاني الكلمات وردت في الرد فوق

1
ـ الكلوح: العبوس.

2
ـ محرر: موقوف لطاعة الله وخدمته.

3-
الخارق: ما يخالف العادة.


……………………………………


كتبة الاخ : المهتدى بالله

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة